الموازنة التقديرية

يعتبر التخطيط السليم أداة تساعد على تحقيق الأهداف الرئيسية والفرعية بالإضافة إلى تحقيق التوازن بين الأهداف والإمكانيات المتاحة، وتتضمن عملية التخطيط محاولات جادة من جانب الإدارة للتنبؤ بالمشاكل التي قد تصادف تحقيق أهداف معينة، وبالتالي التوصل إلى أفضل الأساليب لمقابلة هذه المشاكل تجنباً لعنصر المفاجأة وما يترتب عليه من اتخاذ قرارات لترشيد استغلال الموارد المتاحة.
ونظراً للزيادة المستمرة في الطلب على الخدمات لإشباع حاجات الأفراد مع الندرة في بعض الموارد البشرية والمادية، فإن محاولة استغلال وترشيد استخدام تلك الموارد يساعد على تحقيق أقصى درجة من الكفاية الإنتاجية. وتعتبر الموازنات التخطيطية أنسب الأدوات التي تساعـد الإدارة في تحقيق الكفاءة في الإنفاق والإنتاج ورفع الكفاية الإنتاجية.

أولاً : تعريف الموازنة:

يمكن تعريف الموازنة بأنها " ترجمة مالية وكمية ونقدية للأهداف التي ترغب المؤسسة في تحقيقها مستقبلاً خلال فترات مقبلة ". فهي تعد تعبير رقمي عن خطط وبرامج المؤسسة بحيث تضمن تحقيق جميع العمليات والنتائج المتوقعة مستقبلاً. وتتمثل تلك الأهداف في تحقيق عائد مناسب على رأس المال، خفض التكاليف، تحقيق نسبة ربح معينة، تقديم الخدمات بجودة مرتفعة وتحقيق كمية الإنتاج المناسبة وأخيراً رفع الكفاية الإنتاجية. وهي ترجمة واضحة عن التخطيط والسياسات المستقبلية الموضوعة للمنظمة بناء على خبرة الماضي والطاقة الاستيعابية للمنظمة والموارد المتوفرة لها وعلى التنبؤات المستقبلية فيما يتعلق بكل الظروف الداخلية للمنظمة والخارجية المحيطة بها. وفي نفس الوقت تعتبر الموازنة التقديرية أداة رقابة تحاول مقارنة ما أنجز فعلياً بما تهدف إليه المنظمة وما هو متوقع. ويجب أن تقوم الإدارة بتحليل أية انحرافات هامة فى الموازنة التقديرية واتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الانحرافات الضارة وتشجيع النواحي الإيجابية.

ثانياً : أنواع الموازنة التقديرية:

لاشك أن الموازنة التقديرية تعد لخدمة العديد من الأهداف، لذلك توجد معايير كثيرة مختلفة للتميز بين الموازنات يمكن تقسيمها من حيث الفترة الزمنية التي تغطيها:

 

  • موازنات طويلة الأجل: وتعد غالياً لفترة من خمس إلى عشر سنوات.

  • موازنات قصيرة الأجل: وتعد لمدة سنة مالية أو ثلاث شهور أو شهر.

أهم مزايا الموازنة التقديرية:

الشرط الأساسي لنجاح نظام الموازنات في التطبيق العملي هو قبول واستخدام المديرين التنفيذيين للموازنات، حيث يصعب تصور أداء الموازنة لأي من وظائفها إذا لم يستخدمها المديرين عن اقتناع وقبول. وبصفة عامة فإن أهم المزايا التي تحققها الموازنة ما يلي:

  • مساعدة المديرين على وضع أهداف واقعية عن طريق رسم الخطط والسياسات المستقبلية التي تضمن تحقيق الأهداف.

  • تساعد الإدارة على أخذ الاحتياطات اللازمة للظروف المحتملة والتكيف معها.

  • تعد أداة الإدارة في التنسيق والاتصال والرقابة على أوجه النشاط المختلفة.

  • تساعد على تحفيز العاملين وحثهم على تحقيق الأهداف.

  • المساعدة على توقع المشاكل والمعوقات قبل وقوعها وتلافيها في ضوء الأهداف الواقعية الموضوعة.

  • المساعدة على تقييم الأداء بمقارنة النتائج الفعلية بالمدرج بالموازنة.

  • إشراك المستويات الإدارية التنفيذية في وضع الخطة بجعلها قوة إيجابية عند تنفيذ الموازنة.

  • استقرار النشاط والاستمرارية عن طريق الدراسة المستمرة ومحاولات لحل المشاكل قبل حدوثها.

وتعمل المنشأة على إعداد الموازنة لتحقيق الأغراض الآتية :

  • إظهار المركز النقدي المتوقع قبل البدء فى تنفيذ البرامج الموضوعة.

  • إظهار مدى الحاجة الى أموال اضافية حتى تتمكن المنشأة من اتخاذ الاجراءات اللازمة للحصول على هذة الأموال أو العمل على استثمار الأموال الزائدة عن الحاجة.

  • توفير الأموال اللازمة لتمويل برنامج الاضافات أو التجديدات الرأسمالية .

  • مساعدة الادارة على الاستفادة من خصم تعجيل الدفع.

  • وضع أسس للرقابة على مصادر تدفق النقدية وأوجة استخدامها.

وتتبع احدى الطريقتين الآتيتين فى إعداد الموازنة النقدية :

  • طريقة التنبؤ بالمقبوضات والمدفوعات .

  • طريقة تعديل صافى الربح.
     

طريقة التنبؤ بالمقبوضات والمدفوعات:

وتقوم هذة الطريقة على تقدير كل من المتحصلات النقدية المنتظرة والمدفوعات النقدية المتوقعة. وتتعدد مصادر الحصول على المتحصلات النقدية من مزاولة نشاط المنشأة وتستخرج البيانات اللازمة لإعداد الموازنة النقدية عند اتباع طريقة المدفوعات والمتحصلات النقدية من موازنة المبيعات والموازنات التشغيلية والموازنة الرأسمالية وبيانها كالآتى:
أ - موازنة المبيعات: تبين متحصلات المبيعات النقدية ، وباستخدامها مع فترة التحصيل اللازمة يمكن حساب المتحصل من حسابات العملاء عن المبيعات الآجلة.
ب - موازنة المشتريات: تبين قيمة مشتريات المواد اللازمة لمقابلة احتياجات الانتاج والوقت الذى يجب أن يتم فية الشراء .
ج - موازنة الأجور: تبين الأجور المتوقع دفعها لتنفيذ برنامج الإنتاج .
د - موازنة المصروفات الصناعية: تبين المصروفات المنتظر دفعها بعد استبعاد عناصر التكلفة غير النقدية مثل الإهلاك.
ه - موازنة مصروفات البيع والتوزيع: تبين المصروفات البيعية المتوقع دفعها خلال فترة الموازنة.
و - موازنـة المصروفات الادارية والعمومية: تبين المصروفات الإدارية والعمومية الواجب دفعها خلال فترة الموازنة.
ز - الموازنة الرأسمالية: تبين تفاصيل الأموال اللازمة والمتوقع دفعها لشراء الإضافات للأصول أو استبدالها.

طريقة تعديل صافى الربح:
تتضمن هذة الطريقة احتساب التقديرات النقدية من الربح المتوقع عن الفترة بعد تعديلة بالعمليات غير النقديـة وطبقاً للتغييرات المتوقعة فى حسابات الأصول والخصوم التى لا تتأثر بحساب الربح.وتقتضى هذة الطريقة البـدء بصافى الدخل المتوقع عن الفترة كنقطة بداية وتضاف العمليات غير النقدية مثل الإهلاك والديون المشكوك فيها والجزء من التأمين المدفوع مقدما الخاص بفترة الموازنة. وتتمثل الخطوة التالية فى إضافة النقص المتوقع فى الأصول أو الزيادة المنتظرة فى الخصوم، وكذلك خصم الزيادة المتوقعة فى الاصول أو النقص المتوقع فى الخصوم. وفى ضوء ذلك، فان المركز النقدى المتوقع فى نهاية الفترة يكون عبارة عن رصيد النقدية الموجود فى بدايـة الفترة مضافة آلية أو مخصوماً منة الزيادة الصافية أو النقص الصافي الناتج من التحليل السابق.
ويلاحظ أن الفترة التى تغطيها الموازنة النقدية تختلف باختلاف نوع النشاط والمركز النقدى للمنشأة. فقد تقوم بعض المنشآت بإعداد الموازنة النقدية لفترات شهرية أو ربـع سنوية أو سنوية مقدمـا ، بينما تعد بعض المنشآت الأخرى موازنات على أساس اسبوعي أو يومي. وعلى كـل حال يجب مراجعة الموازنات النقدية فى نهاية كل فترة لعمل التعديلات اللازمة لمقابلة الظروف المتغيرة ولكي تتمكن المنشأة من الحصول على الأموال اللازمة أو استثمار الأمول الزائدة فى الوقت المناسب. ويندر استخدام هذة الطريقة عند اعداد الموازنة النقدية نظراً لأنها لا تتيح التحليل الكافي الذى يساعد على التنبؤ بنقاط الاختناق أو الفائض خلال فترة الموازنة:

لا تسمح هذة الطريقة بتوضيح الاحتياجات النقدية للمشروع إلا فى تاريخ الموازنة فقط ولا تسمح بتوضيح تغيرهذة الاحتياجات خلال الفترة التى تتناولها .
لا يمكن الاعتماد على طريقة تعديل صافى الربح بالنسبة للمشروعات التى تتفاوت إحتياجاتها النقدية من شهر لآخر تفاوتا كبيراً، وحيث أن الإعتماد عليها فى هذة الحالة سيترتب علية نتائج مضلّلة.
أن صلاحية هذة الطريقة تتوقف على اختيار التاريخ الذى يتحمل فية المشروع بأكبر قدر من الالتزامات النقدية. أو بعبارة أخرى أحرج فترات الضغط النقدي.
معوقات الموازنة التقديرية:

لاشك أن إعداد الموازنة التخطيطية يتم على أساس " تقديرات"، وتلك التقديرات قد تكون عُرضة لنقاط ضعف معينة عند الإعداد والاستخدام. ونوجز فيما يلي بعض المعوقات والصعوبات التي تتعلق بإعداد واستخدام الموازنات التخطيطية.

صعوبة التنبؤ في بعض الأحوال:
يعتمد إعداد الموازنة التخطيطية على " التنبؤ" بالأهداف والنتائج المتوقعة مستقبلاً، وعملية التنبؤ هذه ليست مهمة سهلة في كثير من الأحوال ولا يمكن أن تكون دقيقة بشكل كامل، ولكن يجب أن يتم ذلك وفقاً لكل ما هو متاح من بيانات ومعلومات متصلة بالأحداث الاقتصادية موضع التنبؤ. وتبرز صعوبة التنبؤ والتقدير بصفة خاصة في حالة الموازنات التخطيطية لمنشأة جديدة تزاول النشاط لأول مرة، وترجع الصعوبة إلى عدم وجود سجلات تاريخية فعلية تُبين النفقات والإيرادات الفعلية التي حدثت في الماضي والتي كان يمكن الاسترشاد بها – لو وجدت – في التنبؤ بما يتوقع حدوثه مستقبلاً. إن نقص المعلومـات التاريخية في هذه الحالة قد يعوق دون عمل تنبؤ تفصيلي. وغالباً ما تلجأ الشركة الجديدة في هذه الحالة إلى عمل تنبؤاتها وتقديراتها بعد الإسترشاد بالشركات المماثلة القائمة وبعد الإسترشاد بخبرات المحاسبين المهنيين والجهات الإستشارية المختلفة على أن تكون تلك التقديرات "متحفظة " إلى حدٍ ما.

الجمود وعدم مراعاة المرونة:
لا يحقق نِظـام الموازنات التخطيطية أهدافه المرجوة إذا لم تُـراعَ فيه اعتبارات المرونة والتي تقضي بالسماح " بمراجعة وتحديث " التقديرات، خاصة إذا حدثت وقائع جوهرية من شأنها جعل تلك التقديرات غير صالحة، عند قياس وتقييم الأداء. ولكن مراعاة المرونة في النظـام لا يجب أن تفسر بشكل واسع يسمح بإعادة النظر في التقديرات بشكل متكرر حتى لا تفقد الموازنات التخطيطية هيبتها ويقل دورها الرقابي. ومن هنا يجب مراجعة وتحديث التقديرات التي يجب أن تقتصر على الظروف التي يحدث فيها تغيير جوهري يجعل التقديرات الأصلية للموازنة غير صالحة للاستخدامات المختلفة التي أُعدت من أجلهـا.

سوء فهم الإدارة للموازنة التخطيطية ونقص الوعي الإداري:
قد يكون هناك نقص وعي للإدارة بأهمية وفائدة الموازنات، فالإدارة غير الرشيدة قد لا تولي لنظام الموازنات التخطيطية ما يستحقه من عناية عن طريق عدم الاستجابة لما يحتاجه إعداد وتنفيذ النظام إلى كوادر فنية وخبرات إدارية، كما أن الإدارة غير الواعية قد لا تحسن الاستفادة من مخرجات نظام الموازنات التخطيطية، فمثلاً قد لا تربط الإدارة بين نظام الموازنات التقديرية ونِظام الحوافز، الأمر الذي يقلل من فاعلية الجانب " التحفيزي " للموازنات التخطيطية، كما أن عدم الفهم السليم لنظام الموازنات التخطيطية من جانب الإدارة قد يؤثر على النظام ذاته ويضعف من تجاوب العاملين معه، فمثلاً قد تُعدِّل الإدارة في مستويات الأهداف الواردة بالموازنات التخطيطية من جانب واحد دون إخطار (أو مشاركة) العاملين الذين لهم ارتباط بذلك مما يجعل العاملين يشعرون أنهم حققوا أهدافاً لا وجود لها وأنهم فشلوا في تحقيق المستويات الجديدة وقد يؤثر ذلك على دافعيتهم لتحقيق الأهداف في الفترات المقبلة. ومن الأمثلة الأخرى التي توضح عدم وعي الإدارة وسوء فهمها لنظام الموازنات التخطيطية ما قد ترتكبه الإدارة من أخطاء إذا تراجعت في صرف الحوافز الناتجة عن تحقيق الأهداف الواردة بالموازنات التخطيطية بحجة أن مستويات تلك الأهداف المحددة في الموازنة التخطيطية " تقديرات" وليست أرقاماً مضبوطة ومقنعة، وأن تلك الأرقام يمكن مراجعتها وإعادة النظر فيها بالنسبة للمستقبل على أن يكون ذلك بالاتفاق المشترك وليس من جانب واحد. وقد يتمثل عدم وعي الإدارة بالموازنات التخطيطية" في تجاهل" الموازنات التخطيطية بعد إعدادها وعدم متابعة النتائج الفعلية التي تتحقق في ضوء ما تحتويه تلك الموازنات من أهداف ومعايير.

عدم سلامة الهيكل التنظيمي للمنشأة :
إن عدم وجود هيكل تنظيمي سليم في المنشأة قد يكون أحد معوقات الموازنات التخطيطية، فإذا كـانت الاختصاصات والمسئوليات غير محددة بوضوح فإن ذلك قد يؤدي إلى بعض الصعوبات في التقدير بالإضافة إلى تعذر المحاسبة عن نتائج تنفيذ الموازنات التخطيطية، ومن هنا تبرز ضرورة وحتمية وجود تنظيم إداري سليم في المنشأة حتى يمكن تطبيق "محاسبة المسئولية" جنباً إلى جنب مع الموازنات التخطيطية الأمر الذي يزيد من فعالية تلك الموازنات وخاصة من الناحية الرقابية.

سوء فهم العاملين للموازنات التخطيطية :
لا تقتصر معوقات الموازنات التخطيطية على المشكلات التي تنجم عن عدم وعي الإدارة وسوء فهمها بل يشمل أيضاً سوء فهم العاملين للموازنات في بعض الأحيان. فقد تعتقد لجنة الموازنة مثلاً أنها أكثر معرفةً وحرصاً على مصلحة المنشأة من الإدارات المختلفة القائمة بالتنفيذ ومن ثـم ترفض (بدون دراسة) أية طلبات تـَرِدْ من تلك الإدارات للحصول على مبالغ أو مواد إضافية، وقد يؤدي ذلك الرفض إلى خفض الإنتاجية من جانب الإدارات القائمة بالتنفيذ وذلك لكي تثبت وجهة نظرها في طلب مبالغ ومواد إضافية كانت سليمة وأن وجهة النظر من إعداد الموازنة هي التي كانت خاطئة. ومن الأمثلة الأخرى لسوء فهم العاملين للموازنات التخطيطية ما قد يحدث من تحيـّز في التقدير عند مشاركة العاملين في إعداد التقديرات ويتمثل ذلك التحيز عن طريق المبالغة في الاحتياجات و/أو تقليل القدرات والطاقات الأمر الذي يزيد من فرصة عدم تحقيق الأهداف. إن حلول تلك المشكلات التي سردنا أمثلة منها فقط تتمثل في ضرورة زيادة فـِهم نقاط القوة والضعف للموازنات التخطيطية لدى كل المستويات الإدارية بدلاً من الحلول التي تعالج أعراض المشكلات فقط دون جذورها وأهم تلك الحلول زيادة التعلم والوعي بالموازنات التخطيطية لدى كل المستويات الإدارية بالإضافة إلى زيادة قنوات التوصيل من أعلى لأسفل ومن أسفل لأعلى حتى يفهم كل مستوي إداري وجهة نظر المستوي الآخر. يضاف لذلك ضرورة مراعاة الأمانة في الرد على مطالب المستويات الأدنى وتجنب الرفض لمجرد الرفض وإتباع مدخل "الإقناع والاقتناع" بدلاً من أسلوب "التعنت وفرض وجهات النظر".